بعد تأثير «هوليوود» الواضح على عدد كبير من الأعمال السينمائية الروسية، في عهد ولادتها الجديدة نهاية القرن الماضي، بدأت صناعة السينما الروسية تخطو خلال السنوات الماضية نحو نوعية «محلية»، لا سيما لجهة السيناريو وحبكة الأحداث. ومنذ البدايات تمكن عدد من
المخرجين من صنع لوحات سينمائية في تلك المرحلة، يمكن وصفها بأنها «روسية بامتياز» في حبكتها وفي مجمل العناصر الفنية المكملة للعمل. ومن تلك الأعمال فيلم «برات» أي ، من أشهر أعمال المخرج وكاتب السيناريو والمنتج السينمائي أليكسي بالابانوف، الذي قدم حتى وفاته عام 2013 مجموعة أعمال فنية عرضت الوضع في البلاد قبل مرحلة تفكك الاتحاد السوفياتي وبعده، وعرضت لأول مرة واقع الفوضى في المجتمع وانتشار الجريمة المنظمة والحرب الشيشانية وتداعياتها الاجتماعية.
ويُعد فيلم «الأخ» من أكثر الأعمال السينمائية شهرةً في روسيا حتى يومنا هذا، وتجدّد الحديث عنه أول من أمس، بالتزامن مع إحياء المواطنين في مدينة بطرسبورغ ذكرى المخرج بالابانوف. ولعل النجاح الكبير الذي حققه ذلك الفيلم يعود إلى قصته، التي يجمع النقاد على أنّها لن تكون «قصة» بقدر ما هي محاكاة للواقع في تلك المرحلة من تاريخ روسيا. ويروي الفيلم قصة شاب تسرح للتو من الخدمة الإلزامية، ووجد نفسه وجهاً لوجه أمام حياة غير تلك التي عرفها حين التحق بالجيش.
الشهرة الواسعة التي حصل عليها فيلم «الأخ» لا تعود إلى مشاهد العنف فيه والمطاردات، وإنّما لتمكنه من عرض «الخلفية النفسية» للعلاقة بين أخوين، الأكبر والأصغر، يتمسك كلاهما بالآخر وبمفهوم «الأخ» على الرّغم من تعقيدات المرحلة بشكل عام، والتعقيدات في حياة كل منهما، وسعيهما للتّخلص من عالم الجريمة وبناء حياة كريمة.
اللافت أنّ قصة إنتاج العمل لا تقل ألماً عن الواقع الذي يعرضه الفيلم. إذ قرر المخرج بالابانوف البدء بالتصوير في بداية العقد الأخير من القرن الماضي، وهي المرحلة التي تميزت بأوضاع اقتصادية سيئة للغاية، وشح موارد تمويل إنتاج عمل سينمائي جديد. إلا أن الرغبة الكبيرة لدى كل من شاركوا في الفيلم ساهمت في نجاحه، إذ وافق الممثلون بعضهم على العمل من دون مقابل والبعض الآخر بأجر زهيد، ومنهم من وافق على تأجيل أتعابه إلى حين عرض الفيلم.
حتى بعد إنتاجه، لم يحظ فيلم «الأخ» بداية بفرصة لعرضه عبر شاشات السينما. ولم ينل رضا النقاد خلال مشاركته في مهرجان كان في مايو عام 1997. وعلى الرغم من ذلك المخاض العسير فقد حصل الفيلم على شهرة لم يحظ بها غيره من قبل لدى المشاهدين الرّوس، بعد أن انتشر في السوق على أشرطة الفيديو، وسيلة العرض الرائجة حينها. وخلال أيام قليلة زاد حجم المبيعات عن 200 ألف دولار، كانت كافية لتغطية نفقة الإنتاج وتعويض المشاركين في إنتاج الفيلم عن جهدهم.