قال رئيس منتدى الشرق والمدير السابق لشبكة الجزيرة، الدكتور وضاح خنفر: إن العالم مقبل على ولادة جديدة، بعد الأزمة التي تسبب بها فيروس كورونا، وأغلق معها دولا بأك
وأشار خلال محاضرة أسبوعية للمنتدى، إلى أن خطر الفيروس سيزول مع الزمن، لكن كل الآثار الكونية التي نتجت عنه، لن تزول بنفس السرعة، وستؤثر على حياة البشر أزمنة طويلة.اللحظة التي يعبرها العالم اليوم بالغة التأثير عميقة الأثر، وسوف تدخل التاريخ نقطة تحول جذرية، تؤسس أنماطا جديدة، وتعزز أخرى موجودة بالفعل في عوالم الاجتماع والاقتصاد والسياسة.
لقد كشف فيروس كورونا عن عجزٍ عالميٍّ غير متوقع في محاربته كوباءٍ وقد ظنت البشرية أنّها قد تجاوزته، لأنّنا احتفلنا جميعا منذ عقودٍ من الزمن بأنّ الإنسان قد انتصر، واستطاع أن يهزم الأمراض والأوبئة والطواعين، ووضع لها حدًا بل وأزاحها من قاموسه، أما فكرة الوباء العالميّ الذي يجتاحُ البشريّة كان يتنبأ به بعض المتحدثين مثل بيل غيتس وغيره.
ظن الإنسان في السنوات الماضية أنّه قادر على الأرض، مهيمن عليها، وقد تنبأ"يو?ال هاراري" بأنّ الإنسان الجديد هو متألهٌ، باعتبار أنه استطاع أن يهزم كل قواعد الضعف التي أحاطت بالبشرية، وأنّه قد اقترب أكثر من أي وقتٍ مضى نحو الخلود التام، لكن نكتشف بعد فترة قصيرة جدا من هذه النزعة التي اعتنقها عدد كبير من العلماءِ الغربيين أن هذا ليس إلّا"أسطورة"، فضعف الإنسان حقيقةٌ وجودية كامنةٌ فيه بشكل أصيلٍ لا طارئ.
والأديان الرومانية القائمة على تعدد الآلهة لم تكن قادرةً على الإجابة عن الأسئلة الكبرى التي طرحها النّاس في أعقاب الجائحة الكبرى التي وضعتهم أمام الموت، ومن ذلك الوقت بدأ النّاس يبحثون عن حقيقةٍ جديدةٍ تجيب عن أسئلتهم، فوجدوها في دينٍ آخرٍ هو الدين المسيحيّ.
امتدادا لطاعون جستنيان ظهر طاعون عمواس سنة 630م في بلدة عمواس في فلسطين؛ سببته نفس البكتيريا، فعاد للانتشار مرةً أخرى ليفتك بالنّاس، ويُقال أنه من أخطر الطواعين على الإطلاق، وأنه استمر يُعاود قتل النّاس في أنحاء العالم مرات عديدة وصولا إلى أكبر طاعون عرفته البشرية على الإطلاق وهو طاعون الموت الأسود بعد 800 عام.
حاول الإقطاعيون أن يستعيدوا سطوتهم لكن الفقراء لم يُمكنوهم من ذلك، لذا يعتبر المؤرخون أنّ الطاعون الأسود هو الذي أطاح بمنظومة الإقطاع. يؤرخ المؤرخون بالطاعون الكبير بداية لعصر النهضة الأوروبية، ويعتقدون أنّه كان أحد البواعث الكبرى لإنهاء الإقطاع وانطلاق مرحلة التعقل والعقلانية الأوروبية وصولا إلى مرحلة النهضّة، ثمّ انحسار التأثير الكهنوتي على الحياة العامة، لاسيما الحياة السياسية والعلمية.
الوضع الصحي في العالم اليوم أفضل بكثير من الماضي، لكن الفيروسات أيضا أصبحت أكثر تقدما وقدرة على إعادة إنتاج نفسها.تنبئ مختلف الدراسات بأنه لا وجود لحلٍ سريع ينهي على عجل تقدم الفيروس، لذلك فالكوكب حاليا في حالة الإغلاق، والدولة التي لم تغلق بعد ستفعل قريبا، والتي لم تفرض حركة مشددة على الناس والأسواق ستفرض قريبا، لأنّ هذا المرض ينتقل بسرعة هائلة، لذا ينبغي على العالم أن يُغلق أبوابه، فالكرة الأرضية كلها ستدخل في وقت متزامن حالة الجمود والانعزال، حالة لم يسبق لها مثيل أبدا.
ما نعانيه اليوم مسألة طويلة، قد تتغير الأوضاع ويسمح للناس بالتحرك المشروط ولكن لا شك بأن القضاء على هذا الفيروس أو نزوله من المرحلة الخطيرة إلى المرحلة المعتدلة يحتاج إلى وقت طويل نسبيا قد يصل إلى عام أو عامين.العولمة كانت اقتصادية بالدرجة الأولى، ثم صارت تقنية وثقافية، والاقتصاد اليوم هو الضحية الأكبر بعد الإنسان لفيروس الكورونا، فالإنسان يعاني ويموت، والفزع من الموت أصبح إشكالية كبرى عند الناس جميعا رغم أن نسبة الوفيات ليست كبيرة.
التجارة والصناعة الصينية التي يحتاجها العالم والتي تضررت في ذلك الوقت بدأت تعود للعمل، فاليوم نسمع أن تسعين بالمئة من المصانع تعاود إنتاجها. إذا تقرر هذا في الأيام القادمة فسيفعل الاقتصاد الصيني شيئين، الأول أنه سيبدأ بتزويد العالم بأكثر ما يحتاجه الآن من أدوات وتجهيزات طبية من قبيل الأقنعة وأجهزة التنفس وما إلى ذلك. والعالم سيهجم على المصانع الصينية ليأچذ منها ما يستطيع.
تياران في العالم سيطرا على الإنسانية في كل الأزمات الكبرى؛ وهما التيار الإنساني والتيار المادي، التيار الإنساني كان يضع الإنسان -كل الإنسان- في مقام المساواة الإنسانية الدائمة مع بعضهم البعض، والتيار المادي يعتبر أن الإنسان القوي هو وحده جدير بالحياة وأن الضعيف إن مات فهذا منطق الطبيعة، منطق 'البقاء للأصلح'، وهذا مبني على المنطق الدارويني المادي البحت المجرد.
وهذه في الحقيقة حالة غير قابلة للاستمرار، كيف يمكن لنا أن نخرج بأفكار جديدة لاقتصاد عالمي جديد؟ هذا جدل إنساني عالمي سوف يحتدم في قابل الأيام لمحاولة الإجابة على هذا السؤال. البشرية عتت عتوا كبيرا في مجال الطبيعة. قبل شهور قليلة كنت أقرأ مقالا عن الحرائق في أستراليا وقبلها الحرائق التي أطاحت بجزء كبير من الأمازون، يقول فيها الكاتب أن رئة الكرة الأرضية تفسد، فهذه الغابات تنتج الأكسجين اللازم للكائنات الحية بما فيها الإنسان، واحتراقها كان بسبب التغير المناخي climate change وهو مظهر آخر للجشع الإنساني واللهاث المحموم خلف سراب النمو الاقتصادي المتواصل الذي لا يزيد البشرية إلا معيشة ضنكا وسوء عاقبة، ولا يمنحها سعادة ولا هناء ولا رخاء.
إذا استمرت حالة الانهيار الاقتصادي الحالي وصولا إلى ركود عالمي كبير، فإن الكثير من دول العالم ستتضرر ضررا غير قابل للإصلاح، وسيصاب النظام الاقتصادي في مقتل. وستعاني الدول الصناعية التي يعتمد اقتصادها على التصدير، ومن بينها الدول المنتجة للنفط.
المملكة العربية السعودية أحدث الأخبار, المملكة العربية السعودية عناوين
Similar News:يمكنك أيضًا قراءة قصص إخبارية مشابهة لهذه التي قمنا بجمعها من مصادر إخبارية أخرى.
هل سيتغير شكل العالم بعد وباء كورونا؟بعض الكُتّاب في الصحف العربية يتساءلون عن مستقبل العالم بعد القضاء على وباء كورونا.
اقرأ أكثر »
الغارديان: شكوك حول إحصائيات الصين بشأن ضحايا 'كورونا'أزمة انتشار وباء كورونا حول العالم لا تزال تسيطر على تغطية الصحف البريطانية الصادرة الثلاثاء.
اقرأ أكثر »
كورونا.. ارتفاع بإصابات الصين وتباطؤ بكوريا الجنوبية7 وفيات جديدة بـ فيروس_كورونا في الصين وارتفاع كبير بأعداد الإصابات الوافدة و كوريا_الجنوبية تعلن 76 حالة إصابة جديدة فيما تعلن تايلاند ثاني حالة وفاة بالفيروس العربية
اقرأ أكثر »
الصين تبدأ تجارب سريرية على لقاح لفيروس كورونا المستجدبدأت الصين المرحلة الأولى من التجارب السريرية على لقاح لفيروس كورونا المستجد، بحسب ما أظهرت السجلات، فيما يتسابق علماء العالم على العثور على طريقة للتغلب على الفيروس القاتل.
اقرأ أكثر »
خبر سعيد.. لقاح كورونا الصيني جاهز للتجارب السريريةبدأت الصين المرحلة الأولى من التجارب السريرية على لقاح لفيروس كورونا المستجد، حسبما أظهرت السجلات، فيما يتسابق علماء العالم على العثور على طريقة للتغلب على الفيروس القاتل.
اقرأ أكثر »
ماذا بعد انحسار موجة «كورونا» في العالم؟غزا وباء «كوفيد - 19» الأنظمة الصحية الأوروبية مثل مدّ عاتٍ يتعيّن «الحدّ من طفراته» بأقصى قدر ممكن لحصر أضراره. لكن ما الذي سيلي هذا «التسونامي» كما وصفته الطواقم الطبية الإيطالية؟ هل يشهد العالم انحساراً معمماً للوباء وعودة إلى الأوضاع الطبيعية، أم
اقرأ أكثر »