تستبد فكرة التمرد بذهن الجماعي وتأخذ بمجامع قلبه، ويسيّج تمرده بطائفة من القيم تكشف عن تمثله لذاته، باعتباره صعلوكا يفقد الإحساس بالترابط القبلي، ويثور على القبيلة وعلى سلم التراتب الاجتماعي فيها.
الكتاب: الطريق إلى محتشد رجيم معتوقمثّل طلبة الجامعات عنصر إزعاج للسلطات التونسية زمني الرئيسين الأسبقين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، فقد جعلوا يحشرون أنوفهم في الشأن السياسي ويتجرّؤون على ما اعتبره الحزب الحاكم وقفا خاصّا. ولكنّ الدولة وجدت الحل العبقري لتكف عن نفسها أذى هؤلاء"المشاغبين".
ولعلّ أبهى صور الرجولة التي يعيشها هذا الصغير ويستعذب الكبير ذكرها، يوم استعطفه العريف"مطوسي وقد رافقه إلى مستشفى الحامة ثم إلى منزله، وكان يعرف أنه يفكر في الهرب [وأذهلني حين قال:"تحبّ تهرب؟" أجبت قاطعا:"نعم"... طأطأ رأسه وأردف:"راني بو أولاد يا عمّار"... فتزلزلت الأرض تحت قدمي].
أما على المستوى السياسي، فينتصر النص إلى الفلاقة، أجداده البدو الذين يرفضون الاستسلام، بالفطرة، ويقاومون حتى الموت ويومئ إلى اتهامهم لبورقيبة ـ المديني ـ بالتنكر لقيم الكفاح والقبول باستقلال منقوص، بحجة التكتيك أو الدهاء، ويتخذ الفعل"يفاوض" دلالة البيع والشراء والربح والخسارة. ولا يمكن أن تمر حكاية عمار مع حبيبته المدينية الرقيقة مرورا عابرا، رغم أنه يذكرها على استحياء؛ ففيها اختزال للفضاءين بليغ: يوصي بها خله الودود المديني الساحلي بحبيبته العاصمية في أثناء اعتقاله.